الاكتئاب ظاهرة شائعة في هذا العصر بين الناس سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. قد يحدث الاكتئاب للمؤمن أحياناً نتيجة وجود خطية في حياته تحتاج إلى إصلاح وتوبة، وربما يكون هذا الاكتئاب ظاهرة عادية جداً نتيجة التعرض لظروف معينة حدثت في حياة الشخص. فداود الملك والنبي والمرنم الحلو يقول لنفسه «لماذا أنت منحنية يا نفسي» (مز5:42). ويقول أيضاً «يا إلهى نفسي منحنية في» (مز6:42). وإيليا النبي جاءت عليه ظروف جعلته يقول «يا رب خذ نفسي» (1مل4:19)، ويونان النبي جاءت عليه ظروف جعلته يقول «فالآن يا رب خذ نفسي مني لأن موتى خير من حياتي» (يونان3:4)، وبولس الرسول يقول من جهة الضيقة التي أصابتهم في أسيا «أننا تثقلنا جداً فوق الطاقة حتى أيسنا من الحياة» (2كو8:1)، ويقول أيضاً «مكتئبين في كل شئ لكن غير متضايقين» (2كو8:4)، وبسبب عدم إيمان بنى جنسه وتثقله بهم يقول «إن ليَ حزناً عظيماً ووجعاً في قلبي لا ينقطع» (رو2:9)،وأيضاً بسبب ما وصلت إليه أحوال الكنيسة في كورنثوس يقول لهم «لأني من حزن وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة» (2كو4:2)، والرب يسوع وهو في مركز الاتضاع كالإنسان الكامل لما كان في البستان قبل أن يصلب, وهو يصلى في جهاد وبأشد لجاجة قال «نفسي حزينة جدا ًحتى الموت» (مت37:26)، وقيل عنه أيضاً «ابتدأ يحزن ويكتئب» (مت37:26)، وجاء عنه بالنبوة «رجل أوجاع ومختبر الحزن» (إش3:53).
ملاحظات هامة
عن الإكتئاب
1- الاكتئاب هو رد فعل طبيعي يصدر عن المشاعر الإنسانية، لذلك لا يظن الذين لا يعانون من الاكتئاب كثيراً أنهم أكثر روحانية من الذين يعانون بل لأنهم ذو طباع هادئة بطبيعة الحال واعتادوا أن يلتزموا في حياتهم لذلك هم أقل شعور بالاكتئاب. لقد تعرفت على مؤمنين بل أقول خدام أفاضل معلمين لكلمة الله أبطال جيلهم لكنهم كانوا يعانون من الاكتئاب, الأمر الذي أصابني بالاندهاش كثيراً والتساؤلات أحياناً لعدم درايتي الكافية، الأمر الذي تلاشى بعد أن انفتح ذهني لفهم هذه الأمور.
2- في بعض الأحيان تقدم نصائح غير واقعية من أشخاص لا يفهمون كثيراً ما يتعلق بالاكتئاب لقلة درايتهم بالموضوع وعدم فهمهم لمشاعر الذين يعانون الاكتئاب، الأمر الذي يتسبب في ازدياد الحالة سوءً. وإليك مثالاً: أب لم يعرف شيئا عن الاكتئاب، وابنه أوابنته يعانى من الاكتئاب فهذا الأب يتعذر عليه فهم مشاعر أبنائه وحالتهم النفسية ويزداد الموقف حرجاً إذا استغل فترة الاكتئاب ليلقى عليهم عبئاً روحياً أو يستخدم الأسلوب الجارح والتوبيخ المؤلم.
3- في هذا العصر توجد بعض المبادئ تسبب انزعاجاً ومتاعب أكثر تبناها بعض الوعاظ, على سبيل المثال: القول أن المؤمن لا يصاب بالاكتئاب. لكن لعلنا لاحظنا من الأقوال السابقة التي اقتبسناها من الكتاب المقدس أن كثيرين من أبطال الإيمان قد تعرضوا لهذا الأمر.
4- يجب أن نلاحظ أنه بإنكار الاكتئاب يضيف المؤمن مشكلة إلى مشاكله، إذ عندما يشعر المؤمن بالاكتئاب يبدأ يحلل حالته تحليلاً خاطئاً إذ يظن أن سبب اكتئابه هو وجود خطأ ما في حياته، ومن هنا يدخل الشخص فيما هو أصعب من الاكتئاب وهو الشعور بالذنب وإدانة نفسه الشيء الذي يضاعف الهموم ويزيد من الاكتئاب أكثر.
5- ليس من الضروري أن يكون سبب الاكتئاب هو الفشل الروحي أو دلالة عليه، فكثيراً ما يكون المؤمن مصاباً بالاكتئاب بعد النجاح الروحي أو بعد إحراز نصرة عظيمة وهذا نراه واضحاً في حياة رجل الله إيليا, فبعد انتصاره على أنبياء البعل على جبل الكرمل, نراه جالساً تحت رتمة طالباً الموت لنفسه. لقد واجه أربع مئة وخمسون نبياً للبعل في معركة كبرى حاسمة وانتصر لكن أثرت فيه رسالة تهديد موجزة وجهتها إليه إيزابل زوجة أخاب الملك الشرير «هكذا تفعل بي الإلهة وهكذا تزيد أن لم أجعل نفسك كنفس واحد منهم في نحو هذا الوقت غداً» (1مل2:19). وكذلك إبراهيم بطل الإيمان قال لله «ماذا تعطيني» (تك2:15)، ولا نبالغ أن كنا نقول أن الصورة متكررة مع كثيرين من أولاد الله الأنبياء والمؤمنين، الشيء الذي يختبره الكثيرون منا أيضاً!!!
6- إن عدونا واقف بالمرصاد، يحاول أن يجد ثغرة ليدخل منها ليحول الاكتئاب المزاجي إلى اكتئاب روحي ثم يحوله إلى هزيمة روحية.
ولنا بقيه